اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 529
فتدركون مزية كتابكم ورسولكم على سائر الكتب والرسل وشرف دينكم على عموم الأديان وبالجملة لا تبالوا ايها المترفون والمسرفون بترفهكم وتنعمكم ولا تغتروا بامهالنا إياكم ولا تأمنوا عن مكرنا معكم وحول عذابنا ونكالنا عليكم
وَاعلموا انا كَمْ قَصَمْنا وكثيرا مِنْ اهل قَرْيَةٍ قد قهرنا عليهم وكسرنا ظهورهم وبعدناهم عن أماكنهم التي هم يترفهون فيها بطرين لأنها قد كانَتْ ظالِمَةً خارجة أهلها عن مقتضى الأوامر والنواهي المنزلة منا على رسلنا أمثالكم وَبعد ما أخرجناها وأهلكناها قد أَنْشَأْنا بَعْدَها وبدلنا أهلها قَوْماً آخَرِينَ منقادين لحكمنا مطيعين لأمرنا
فَلَمَّا أَحَسُّوا وأدركوا بَأْسَنا بعد تعلق ارادتنا بانتقامهم ورأوا مقدمات عذابنا وبطشنا إِذا هُمْ مع شدة شكيمتهم ووفور قوتهم وقدرتهم مِنْها اى من قراهم وأماكنهم يَرْكُضُونَ ويهربون سريعا ركض الخيل من الأسد
ثم قيل لهم حينئذ على سبيل التهكم والاستهزاء لا تَرْكُضُوا ولا تهربوا ولا تعدوا ايها المترفهون المتنعمون البطرون الى اين تمشون عن متنزهاتكم وَارْجِعُوا إِلى ما اى الى أوطانكم وقراكم التي قد أُتْرِفْتُمْ ومتعتم فِيهِ وَاسكنوا في مَساكِنِكُمْ التي قد تمكنتم فيها طول دهركم لم تتركونها وتخرجون عنها لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ عن سبب الخروج والجلاء منها ما تجاوبونه ايها الهاربون ثم لما ضاقت عليهم انواع العذاب ولحقت بهم وأدركتهم ولم ينفعهم الفرار والتحرز
قالُوا متأسفين متحسرين يا وَيْلَنا وهلاكنا تعال تعال إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ متجاوزين خارجين عن مقتضى العدل الإلهي لذلك قد لحقنا ما لحقنا
فَما زالَتْ تِلْكَ الكلمة المذكورة يعنى يا ويلنا انا كنا ظالمين دَعْواهُمْ دعاءهم ونداءهم جارية على ألسنتهم على وجه الخضوع والتذلل التام والانكسار المفرط إذ هم قد قصدوا بها النجاة والخلاص مع انهم قد اعترفوا بذنوبهم في ضمنها وندموا عن عموم ما فعلوا بتكرارها ومع هذا لم ينفعهم ذلك لمضى وقت التوبة والندامة وفوات زمان التدارك والتلافي وبالجملة قد أخذناهم حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ اى صارت أجسامهم مثل المحصود الخامد من النبات كأنها ما شمت رائحة من الحيوة في وقت من الأوقات
وَكيف لا نأخذهم بظلمهم ولا نجعلهم محصودين خامدين جامدين إذ ما خَلَقْنَا السَّماءَ المزينة بزينة الكواكب كل منها معد مقدر لأمور لا يعرف تعديدها واحصاءها غيرنا وَايضا قد خلقنا الْأَرْضَ المزينة بزينة المعادن والنبات والحيوان والأشجار والأنهار وانواع الفواكه والأثمار كل منها مشتمل على حكم ومصالح لا يفصلها الا حضرة علمنا المحيط وَما يحصل بَيْنَهُما من امتزاج آثارهما وافعالهما من الغرائب التي تدهش منها العقول وتكل في وصفها الالسنة وانحسرت الصدور لاعِبِينَ عابثين اى ما جعلناهما وما بينهما وما امتزج منهما عبثا باطلا بلا طائل وبلا سرائر اودعنا فيهما وبدائع اضمرنا في خلقهما وظهورهما إذ الحكيم المتقن لا يفعل فعلا الا وقد أودع فيه من الحكم والمصالح ما لا يعد ولا يحصى فكيف يليق بجنابنا وينبغي بشأننا اتصاف أفعالنا المتقنة وآثارنا المحكمة باللهو واللعب وتدبيراتنا بالعبث الخالي عن الحكمة والمصلحة
مع انا لَوْ أَرَدْنا اى فرضنا وقدرنا ما استحال علينا وبشأننا وهو أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً ولعبا باطلا خاليا عن الفائدة مخلا لكمال عزتنا وحكمتنا وعلو شأننا وعظمتنا لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا اى من قبلنا ومن جملة أفعالنا وآثارنا الصادرة عن قدرتنا الكاملة وارادتنا الخالصة كلا وحاشا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ وما كنا مرتكبين العبث الخالي عن الفائدة سيما مع كمال قدرتنا ووفور علمنا على انواع الحكم
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 529